الأفارقة والمفترق الكبير بين الدولة والقبيلة

الأفارقة والمفترق الكبير بين الدولة والقبيلة

باسم ثروت

 

 

أفريقيا القارة الجوزاء صاحبة الشيء والنقيض في كل مناحيها تقريباً، فهي قارة المستقبل صاحبة البيئة الخصبة للاستثمارات؛ والأسواق الناشئة الضخمة، ناهيك عن الثروات المعدنية والنفطية، والمواد الخام التي تملكها أرضها الخصبة، التي تمثل مرتكزاً للعديد من الصناعات.

 

وفي نفس الوقت تملك هذه القارة النقيض تماماً، فهي بوتقة للنزاعات الإثنية والعرقية، والانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، وأزمات النزوح واللجوء والهجرة الشرعية وغير الشرعية والجماعات المسلحة والإرهابية والحروب الأهلية والنزاعات الإقليمية.

 

قارة تشكلها أكثر من خمسين دولة يفترض أنها كاملة السيادة والأركان، وفي الوقت ذاته تجمع قرابة ثلاثة آلاف قبيلة بلُغات تتجاوز الألفي لغة، الرسمية منها والمحلية، إلا أنها كما وصفناها سابقاً قارة جوزاء دائماً تقف بين نقيضين أو أكثر.

 

تلك القارة ما زالت تقف عاجزة أمام نقيضين هما الهوية القبلية والهوية الوطنية، إفريقيا الدولة أم القبيلة، وما يترتب على هذا العجز من تبعات تؤدي إلى عدم تحقيق الاستقرار السياسي والتحول الديمقراطي، أو تفكك الأنسجةالمجتمعية، أو إعلاء الهوية القبلية فوق الهوية الوطنية في بعض الدول.

 

إن النظام القبلي، هو أداة للسيطرة السياسية، وللاستبداد بكل أشكاله، أوجده حكم الاستعمار، والقهر السياسي والقومي، فلم يظهر إلا كوسيلة بيد المحتلين الاستعماريين، لشق صفوف المحكومين، والحيلولة دون اتحادهم ضد العدو المشترك.

 

حيث اعتمدت الحقبة الاستعمارية الأجنبية التي شهدتها القارة الإفريقية، وفقاً لمؤتمر برلينإلى التقسيم السياسي لمناطق النفوذ الاستعماري، أي التقسيم وفقاً للحدود الجغرافية دون الاكتراث للتعددية الاجتماعية التي تمتلكها القارة، فقد قصد المستعمر عدم رؤية فكرة التعدد العرقي والإثني والقبلي الذي تمتلكه إفريقيا، واخذ بعين الاعتبار الجغرافيا السياسية فقط باعتبارها حجر الزاوية الرئيسي لتشكيل الدول الإفريقية.

 

تأسس هيكل الدولة الإفريقية قياماً على الاعتبارات الجغرافية فقط البعيدة عن باقي الأركان، ما جعلها دولاً هشة داخلياً نتيجة لعملية إعادة توزيع العرقيات والقبائل على كافة الدول، وانتشارها بها، وهو ما أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وانقسامات قبليةوعرقية بعيداً عن التجانس والتكامل، وأقرب للتنافر والتناحر.

 

لذلك نجد القارة الإفريقيةعاجزة بين نقيضين، دول تسعى لتعزيز الهوية الوطنية بعيداً عن الهوية القبلية، قبائل تسعى لتعزيز الهوية القبيلة بعيداً عن الهوية الوطنية.

 

تتميز هذه النظم القبلية بكون الحاكمين والمحكومين في النظم القبلية، ينتمون ظاهرياً إلى أمة واحدة، وبلد واحد، لا تفرقهم سمات خارجية، كاللون، والملامح الجسدية، لذلك يتمتع نظام القبيلة بقابلية كبيرة للانكفاء على الذات وتغليب الهوية القبلية فوق الوطنية.

 

ونعني بالنظام القبلي، نظاماً مصغراً للحكم، يقوم على هيمنة أقلية دينية، أو مذهبية أو عرقية على السلطة السياسية إما في مقاطعة صغيرة أو في عموم البلاد على حسب حجم القبيلة، واحتكارها للامتيازات الاقتصادية، والثروة، والنفوذ، والمال، واحتكار المكانة الاجتماعية جراء السيطرة على الحكم السياسي.

 

وهنا، غالباً ما تكون سلطة هذه الأقلية القبائلية بحاجة إلى دعم خارجي، كقوة احتلال سابقة، أو نفوذ إمبريالي، بحكم كونها مهددة داخلياً، من ثورات القبائل الأخرى عليها، ضد حكم السلطة المركزية التقليدي، فتلتمس المساندة الخارجية، الأمر الذي يوفر الأسس لقيام مصلحة مشتركة بين القوة الخارجية، وبين الأقلية الحاكمة، لقمع وكبت المحكومين، والثائرين، والانفراد بالسلطة السياسية، والثروات الاقتصادية.

 

لذلك يقترن النظام القبائلي في أكثر الأحيان، بالحقبة الاستعمارية، والهيمنة الخارجية، حتى إذا كان المحتلون قد رحلوا ولا يشتركون في الحكم مع الحكام المحلين في الوقت الحالي.

 

عملت الدول المستعمرة على توسيع الانقسام بين الشعوب الإفريقية، وتكتل كل قبيلة على ذاتها، فيصعب بذلك توحيد الهويات، تحت مظلة هوية وطنية جامعة، ما يسمح للمستعمر السابق بتعزيز تواجده في البلاد والعبث بمقدرات العباد وهو يحتسي قهوته في أروقة قصره الفاخر في دولته المتنعمة بخيرات القارة الإفريقية.

 

هذا الوضع مقصود، يعتمد على سياسة فرق تسد، حيث ييسر لهم التدخل في شؤون الدول الإفريقية الداخلية وتعزيز علاقاتهم مع من يعطيهم ولاء أكبر وهذا يعني مصالح أكثر، مواد خام أكثر، مصادر للطاقة أكثر، تقدم لدولهم وشعوبهم بشكل أكبر.

 

وبذلك تتصادم الهوية القبلية مع مرتكزات وأسس الهوية الوطنية التي تستدعي الانتماء والولاء للدولة وتغليب مصالحها حتى وإن تعارضت مع القبيلة، لكن لم ينجح ذلك في دول بنيت على انقسام القبائل في أكثر من دولة، فقد نجد قبيلة قد تم تقسيمها على أربع دول من قبل التقسيم الجغرافي الذي أوجدته الدول المستعمرة، فكيف لأبناء قبيلة مثل هذه أن تعلي هوية وطنية وهي مقسمة على أكثر من دولة.

 

اجمالاً: ما فعلته دول الاستعمار بإفريقيا من خلال تقسيم الدول بناء على أسس جغرافية مصالحية، هو أسوأ ما فعله الاستعمار طوال تاريخه الاستعماري فقد خلف هذا التقسيم صراعات وتناحرات نتج عنها عدم استقرار أمني وسياسي وحروب أهلية وهجرات غير شرعية وقتلى بالألاف، إذا لم يكن بالملايين، ومن المرجح أن لا ينتهي هذا التناحر بين الشعوب الإفريقية في الوقت المنظور القريب، إلا إذا نست الشعوب الإفريقية ما كانت عليه القبائل قبل تقسيم الاستعمار، والالتفات إلى الهويات الوطنية الجديدة وإعلائها فوق الانتماءات القبلية للفوز بمستقبل أفضل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية